على ضوء كومكس 2009 فان قصة صديق لنا جديرة بالذكر ونحن نقف اليوم معرضنا التكنولوجي الأضخم، ذلك انه يؤمن حتى النخاع بأهمية وجدوى وجود كمبيوتر بالبيت من اجل الأولاد بداية ومن اجل نفسه إذ يتعين عليه أن يلحق بالركب وقبل فوات الأوان، النية المعتملة في حنايا صدره نية حميدة وتستحق الإشادة والاحترام بكل المقاييس، غير انه ثمة من يوسوس إليه ليلا على وجه الدقة قائلا عبر كلمات واضحة رغم إنها خافتة بضرورة أن يكون الكمبيوتر المقترح حديثا للغاية، أي بعبارة أخرى يجب أن يكتنز بأفضل المواصفات الموجودة في السوق، ونحسب بان هذا الذي يوسوس رغم إننا لا نعرف كنهه قد قدم إليه النصيحة الأفضل وفي الوقت الأفضل إذ النية عارمة وتتوجه نحو الشراء.
سنصدقكم القول بأنه قرر الشراء منذ الثمانينيات، غير انه لم يشتر حتى الآن ولا حتى قرص مرن واحد، ستسألون حكما لماذا وماذا ينتظر؟.. وفي هذا السؤال تتمحور مأساته كلها، ذلك إن هاجس (الأحدث) ملك عليه فؤاده، ثم هو ما برح ينظر إلى أصدقائه الذين اشتروا قبله ينظر إليهم فيراهم يتراكضون إلى محلات بيع العتاد الكمبيوتري، كل يرغب في استبدال قطعة من كمبيوتره بأخرى حديثه، أحدهم يرغب في استبدال (لوحة أم) والآخر يرغب في استبدال قرص سي دي روم، والآخر يرغب في زيادة رامات، وبعضهم يرغب في قرص صلب جديد بديلا للقرص الصغير الذي لديه إذ فاض به الكيل فاندلقت البرمجيات في فضاء الجهاز الداخلي، كان وفي دواخله يضحك ملء فيه، إذ جميعهم خُدعوا إذ هم لم يشتروا الأحدث أصلا، لذلك فانهم يعانون، ولأنه الأذكى فانه لم يشتر يوم اشتروا، ويوم يكتمل نصاب الجديد الذي هو (حديث) سيشتري لا محالة.
هو يوم قرر الشراء في الثمانينيات، وقتها كانت الكمبيوترات تعمل بمعالجات من طراز 286 غير انه سمع إن هناك معالجا جديدا سيرى النور قريبا، فقرر أن ينتظر بزوغ نجم المعالج الجديد من طراز 386 وبسرعة 100 ميجاهيرتز، فقال لنفسه لن أكون غبيا كالذين اشتروا وسأنتظر هذا الجديد، وجاء هذا الجديد، وفي يوم ظهوره سمع أن هناك معالجا من طراز 486 ، ثم آخر من فئة بنتيوم 2 وان سرعته تقارب الـ 350 ميجاهيرتز، فقال سأنتظر ظهوره، وفي اللحظة التي قرر فيها الشراء قرأ خبرا مفاده إن شركة أنتل في جعبتها خططا بعيدة المدى تهدف لصناعة معالج جديد هو الأخطر على الإطلاق، وقد أسمته بنتيوم 3 وان سرعته تقارب الـ 800 ميجاهيرتز، فضحك في دواخله وقال المزيد من الانتظار لا يضر، لانتظر هذا المعالج الخرافي، وفي اللحظة التي ظهر فيها بنتيوم 3، وعقد العزم كاملا هذا المرة على اقتناء جهاز يحمل هذا المعالج الأسطوري، قرأ بان أنتل ستنتج قريبا جدا معالجا جديدا أسمته بنتيوم 4 ، وان سرعته ستقفز فوق حواجز الميجا على عوالم الجيجا، فضحك ضحكة عالية النبرات عبرها كان يشيد بذكائه الخارق إذ هو لن يشتري غير الأحدث، قال لتكن وجهتي إذن إلى بنتيوم 4. حتى اللحظة لم يشتر شيئا غير انه سيذهب اليوم إلى كومكس 2001 من اجل اقتناء كمبيوتر بمعالج أنتل الرابع، هذه كانت آخر أخباره.
لنلقي نظرة عامة إلى ما فعله صديقنا هذا العزيز لنرى إن كان ذكيا حقا، أم انه يعد اكبر (مغفل) عرفه كوكب الأرض، في الواقع سنجد بان ما فعله هو عين الغباء، فهو ومن ناحية عامة لم يتعلم شيئا من أسرار الجهاز إذ هو ينتظر، أما الأغبياء الذين يحسبهم واشتروا منذ عقدين مضيا، فما شاء الله فقد تعلموا وتعلم أولادهم كل شئ وأي شئ عن الجهاز وخباياه، أما هو فسنبارك له بنتيوم الرابع الذي سيشتريه اليوم، إذ سيجلس أمامه باعتباره أكبر (أُمي) في كوكب الأرض..